حلقة هذا اليوم الثلاثاء من برنامج ساعة صفاء (إذاعة سيئون) الذي يعده
الزميل المحاور رشاد ثابت وينفذه الزميل احمد بزعل، وقد كان ضيف الحلقة
الصديق د.محمد ابوبكر حميد من أروع حلقات البرنامج، الدكتور حميد متحدث لبق
وحباه الله البلاغة والفصاحة وجمال صوته وترتيب أفكاره وسرعة بديهته، فضلا
عن نضوجه الفكري والثقافي المعهود، ولأهمية الحوار وددتُ أن أسطر لكم
أحبتي على قدر الحيّز بعضا مما قاله الدكتور محمد أبوبكر حميد في حلقة
اليوم من الحديث المفيد والممتع والشائق.
سعيد بهذا اللقاء الذي يأتي وأنا أستعد لختام رحلتي في خدمة تراث علي أحمد باكثير الذي أهدته اليمن إلى العالم العربي والإسلامي.
علي أحمد باكثير لم يترك بلدا عربيا وإسلاميا إلا وكتب عنه مسرحية أو قصيدة.
استغرق اهتمامي بباكثير، من عمري ٤٥ عاما كاملة ،في جمع تراثه وتحقيقه وإلقاء المحاضرات عنه في كل مكان في العالم العربي، ونشر مالم ينشر من أدبه .. إلخ
ظل باكثير مهاجرا منذ غادر سيئون عام ١٩٣٢ وإلى الآن لم يعد.
هذا اليوم كنت مع أ. الفاضل عصام الكثيري وهو رجل فاضل ومتحمس وأعطاني دفعة حماس وأمل وقال نحن في سيئون سنجند كل إمكانياتنا لعودة باكثير.
والعودة أولها تبدأ ببيته الموجود في سيئون الذي سماه دار السلام وتزوج فيه . وعاش فيه ٣ سنوات من حياته الزوجية.
هذا البيت يجب أن يتحوّل إلى متحف يضم كل مكتبته ومقتنياته الشخصية.
والمكتبة موجودة وقد تم الحصول عليها من مصر وهي لدى الشيخ عبدالله بقشان منذ عشر سنوات على أمل ان يُجّهز المكان. وكثير من أوراق باكثير عندي. ومقتنياته التي في القاهرة، نستطيع أن نأتي بها.
باكثير احتفظ بكل صغيرة وكبيرة.
ومن حسن حظنا ومن حسن حظ التاريخ وحظ سيئون. أننا سوف نستطيع أن نقيم له متحفا نادرا. فأقلامه. والأوسمة. والنياشين. والملابس. وساعاته ومناديله.. إلخ موجودة ..
والفضل يعود لزوج ربيبته عمر عثمان العمودي ولربيبته إجلال. فقد حافظا على تراثه.
أبناء الأدباء لا يحافظون على تراث آبائهم. ولا يعرفون قيمته.
سيبقَى المتحف مُلك لحضرموت ولليمن وللعالم العربي والإسلامي ولكل باحث.
وهذا مايتم الآن الإعداد له.
أشكر الوكيل أ. عصام الكثيري الذي أبدَى الاستعداد الكامل لإعداد بيت باكثير. دار السلام. متحفا دوليا. ومزارا للباحثين. ولأهل سيئون وللسياح من كلّ أنحاء العالم.
وشكرا للشيخ عبدالله أحمد بقشان الذي له وقفات رائعة في خدمة الثقافة. وهو الذي أنشأ مؤخرا مؤسسة حضرموت الثقافية.
وقد تحدث معي بشأن استعداده للمشاركة في تأهيل دار باكثير لتكون متحفا دوليا
وكلنا جنود لهذا المشروع.
وقد آن الأوان أن يتم وبتمامه لابد من إعادة طباعة أعماله في حضرموت، ليتعرف عليه أبناء سيئون واليمن. فالبعض لا يعرفون الا اسمه. أو بعض أعماله.
عودة باكثير الحقيقية التي أتمناها ليست إقامة مهرجان او إقامة متحف. العودة الحقيقية أن يعرف الناس باكثير، المفكر،
الشاعر، الأديب
التربوي،
العاشق لحضرموت
لسيئون. فهو ابنها البار. الذي
ظل يعشق سيئون ويتغنى بسيئون وعاد لها بعد ٣٦ عاما
سأهدي الإذاعة قصائد لباكثير في عشق سيئون.
أنا أعددت
١٥ كتابا أو ٢٠ كتابا لم تطبع في حياته.
أصدرت قبل ٣٠ عاما ديوانه
أزهار الربى
وقبل ١٠ أعوام أصدرت ديوانه
سحر عدن
وديوان أنفاس الحجاز وصبا نجد. ثم شعره في مصر (من وحي ضفاف النيل)
سننشره في مجلدين. وأما قضية فلسطين كتب عنها مايصل إلى ألف صفحة ستصدر في مجلدين أيضا.
لم يترك باكثير وطنا عربيا كان يجاهد من أجل الحرية والاستقلال إلا ونصره باكثير بمسرحية أو برواية.
وله كتاب كامل عن اندونيسيا وطنه الذي وُلد فيه. كتب عن اندونيسيا ملحمة الحب والحرية .
هذا الرجل الكثير كيف لايعرفه أبناء سيئون أبناء حضرموت،
وكيف لا تُدرَّس قصائده في المدارس،
وكيف لاتُنشَد أناشيده في مدارسنا،
وكيف لايُطلَق اسمه على بعض شوارع سيئون ؟! في جدة شارعين باسم علي أحمد باكثير ..
لازال باكثير مهاجرا مغتربا ولم يعد بعد الى وطنه
سيعود إلى وطنه من خلال هذا المتحف الدولي.
وعندما يطلق اسمه على المدارس والمنشآت الثقافية والشوارع. وسيعود
عندما يتغنى الطلاب بأناشيده.
وعندما تكون كتبه متاحة للناس في المكتبات.
عنه أبحاث ماجستير ودكتوراه في العالم العربي أضعاف أضعاف ماكتب عنه داخل وطنه. مثلا
عشر فتيات سعوديات كتبن رسائل دكتوراه عن باكثير.
وفي المغرب وفي تونس وفي الجزائر وفي مصر. والسودان. كُتبتْ عشرات الأبحاث عن باكثير. أبحاث ماجستير ودكتوراه، وكلها صدرتْ في كُتب.
نحن أولى به. نحن أهديناه إلى العالم العربي والإسلامي ومن حقنا أن نفخر به وأن نعيده إلى وطنه، أن نعيده إلى سيئون
صوت باكثير يُحمّلنا جميعا مسؤولية، ويُحمّل أهل سيئون وأهل سيئون مسئولية.
فقد كان بيننا في سيئون عام ١٩٦٨ وخطب ونصح وقدّم توجبهات، وأوصانا بالبِرِّ بهذا الوطن. لقد حمل باكثير هَمَّ هذا الوطن وسافر ١٩٣٢. ولم يترك وطنه وراء ظهره. ولكنه حمل وطنه بين حناياه وفي أعماق قلبه، وظل يتحدث باسم هذا الوطن ويكتب عنه.
أليس من واجبنا نحن أن نقوم بالوفاء لهذا الابن البار في وطنه الأول في سيئون وكلّ حضرموت.
أتمنى أن أجد من أبناء سيئون بالذات مَنْ يبحثوا في أدب باكثير وشعر باكثير.
زرتُ مدرسة في مصر، وقرأتُ بيتين من الشعر لباكثير، وُضعتْ في ساحات المدرسة وهي :
ومن تَجرّدَ عن دينٍ وعن خُلُقٍ
فليسَ يرفعهُ علمٌ ولا أدبُ
والعلمُ والدين والأخلاق إنْ جُمعت
لأمةٍ بلغوا في المجدِ .. ماطلبوا
هذه وصية تربوية لصناعة أمة.
أدعو الأساتذة التربويين إلى الاهتمام في البحث عن باكثير التربوي واختيار أبيات لأبنائنا تُكتب في المدارس على اللوحات في الساحات والقاعات .
علي أحمد باكثير هو شكسبير اليمن شكسبير العرب.
ذاع صيت باكثير في العالم الإسلامي كله
نجيب محفوظ عالمي ولكنه بخصوصية مصرية.
وباكثير عالمي بخصوصية دولية.
استوحى باكثير من زيارته الأخيرة لحضرموت عام ١٩٦٨م كتابه الذي لم يكمله عن الشاعر الشعبي (بن زامل) .
فكّر بالهجرة إلى لندن قبل وفاته بعام رحمة الله عليه .
اليوم ظهر آخرون غيري يكتبون عن باكثير، ولكن
من حسن حظي أن يقع كل تراثه بين يدي، وأنني أطّلعتُ على كلّ ورقة كتبها بقلمه .
أعطاني أخوه الشيخ عمر أحمد باكثير رحمه الله عام ١٩٨٠ وأنا في العشرين (الرسائل التي كان يبعثها إلى حضرموت من مصر وأوراق أخرى، ونسخة من ديوان أزهار الرُّبى) وقال لي هذه أمانتك ورسالتك، أحمل راية باكثير، ولاتجعلها تسقط من يدك حتى يعود إلى سيئون كما خرج منها.
وأنا أقول له اليوم: اطمئن سيعود أخوك حديقة في قلب سيئون تتضوّع فكرا .. وعطرا .. وشعرا ..